من مصحف الـخلافة إلـى مصحف الرعيّة نقد الاتّـجاهات الغربيّة الـمعاصرة فـي نفيها تاريـخيّة القرآن من خلال مشروعَيِ الـمصاحف العثمانيّة والـحجّاجيّة

Abstract

إنّ الـمقاربات الغربيّة الـمعاصرة بصدد ماهيّة القرآن الكريـم وأصالته قد تَبَايَنَتْ فـي بـحوثها ودراساتـها بصورة متقطّبة بين الإثبات والنفي؛ فنولدكه رغم ٱعترافِهِ وإقرارِه بوجـودِ نصٍّ قرآنـيّ قد تعامل معه بتأثير الدراسات التوراتيّة النقديّة على أنّه نَصٌّ بشريٌّ، غريبُ الـتأليفِ والترتيبِ، يعتريه العديدُ من الأخطاءِ الإملائيّة والنحويّة. تبعه فـي ذلك أصحابُه، أمثال فريدرش شڤالـي وگُتهِلْف وأُتّو برتزل. ثـمّ ظهر فـي سبعينات القرن الـماضي ٱتّـجاه ٱستشراقيّ ذهب إلـى أنّ القرآنَ نصٌّ مستعارٌ من مـحيطٍ مسيحيّ فـي شبهِ الـجزيرة العربيّة، مُنَقَّحٌ عن تراتيل مسيحيّة. تلاه فـي العقدِ ذاتِهِ ٱتّـجاهٌ ٱستشراقيٌّ آخرُ ٱدّعى أنّ القرآنَ مُدَوَّنَةٌ موضوعةٌ، تَعُودُ على الأبكر إلـى القرن التاسع الـميلاديّ، ذاتُ طابعٍ فقهيّ بـمنزلة ٱلْمِشْنَا اليهوديّة. وذهب بعضهم إلـى أنّ القرآن يعود إلـى حركة تبشيريّة فـي فلسطين ذات أخلاط دينيّة وثقافيّة. فـي ٱتّـجاه قريب من ذلك زعم بعضهم أنّ القرآن نصّ مترجم عن مدوّنة سريانيّة، هي إنـجيل الإبيونيّين. ثـمّ ظهر ٱتـجاهٌ جديدٌ، يـجـمع بين غالبيّة الاتّـجاهات السالفة وينسجها بـخيطٍ واحدٍ معترفًا بنصّ قرآنـيّ ومُقْصِيًا القول النافـي لأصالة القرآن. لا يقول هذا الاتـجّاه بالـحرف الواحد: إنّ القرآنَ نصّ مصقول أو نصّ مترجم، لكنّه يدّعي أنّ القرآنَ جزءٌ لا يتجزّأ من ثقافة الـمناظرات للعصور الـمتأخّرة.

يأتـي هذا الـبحث ليردّ على مطاعن نولدكه وأتباعه (عدم سلامة النصّ القرآنـيّ رسـمًا ونظمًا) بطرح منظومة (الكتابة العربيّة الـمثلى) التي تنعكس تـمامًا فـي الرسم العثمانـيّ الـمثبت على الوَجْهِ الأَخْصَرِ والـمبنـيّ على أساس (نظام وحدات الرسم). كذلك يردّ على مزاعم النافين لتاريـخيّة النصّ القرآنـيّ من خلال إلقاء الضوء على مشروع الـمصاحف العثمانيّة (الأوّل) ومشروع الـمصاحف الـحجّاجيّة (الثانـي) ويبيّن الصلة التاريـخيّة الـمباشرة بين هذين الـمشروعين وما صدر عن ذلك كلّه من طبعة أولـى عامّة للقرآن الكريـم، قد عرفها التاريخ الإسلاميّ فـي أواخر خلافة عبد الـملك بن مروان (ت86ه)