رحلة ابن فطّومة إلى مدن الفارابي الجاهليّة
##plugins.themes.bootstrap3.article.main##
##plugins.themes.bootstrap3.article.sidebar##
الملخص
يهدف هذا البحث إلى تقديم قراءة جديدة لرواية نجيب محفوظ رحلة ابن فطّومة (1983) تبيِّن تشابها مع المنحى الفلسفيّ العامّ لأبي نصر الفارابي (870-950)، مؤسّس الفلسفة السّياسيّة في الإسلام، حين كتب عن المدينة الفاضلة. فالمتأمِّل لكتب الفارابي السّياسيّة سيجد أنّها تحفل بوصف أشكال لمدن جاهليّة، كما يسمّيها، تتعارض في مبناها السّياسيّ والاجتماعيّ والفكريّ مع المدينة الفاضلة المثاليّة. تماما هذا هو حال ابن فطّومة في رواية محفوظ الذي يترك وطنه بحثا عن "دار الجبل" – المكان المثاليّ الذي يتوفّر فيه تحقُّق التناغم ما بين الإسلام، في صورته الصحيحة، وسعادة المواطن وخيره. كما أنّ مدينة الفارابي الفاضلة لا يمكنها أن تتحقّق على أرض الواقع هكذا تنتهي رحلة ابن فطّومة دون أن نعرف كقرّاء إن كان حلمه بالوصول إلى "دار الجبل" سيتحقّق أم سيبقى مجرّد أمنية خياليّة. كذلك لا نعرف إن كان سينجح في العودة إلى الوطن. في رحلة ابن فطّومة نشهد أشكالا مختلفة لأنظمة سياسية-اجتماعيّة لا تُرضي ابن فطّومة، بل تبقيه حائرا يعيش أزمة وجوديّة ودينيّة، فكلّ فعل جميل أو قبيح يُستهلّ باسم الله الرّحمن الرّحيم.
إنّ التناغم الصوتيّ بين اسم الرّحّالة ابن بطّوطة، من القرن الرابع عشر الميلاديّ، وعنوان رواية محفوظ "رحلة ابن فطّومة" هو أمر واضح لكلّ مطّلع على التّراث. لكنّه جاء هنا بهدف ربط شكل الرّواية الجديد بالتراث العربيّ القديم كنوع من التحرّر من مقولة الغربيين بأنّ الرواية العربيّة الحديثة هي إنتاج غربيّ بامتياز. جاء زمن الأحداث في رواية محفوظ منتميا إلى العصر الوسيط الذي شهد ازدهارا في مجالات علميّة وفكريّة شتّى، لكنّه أنجب في الوقت ذاته أفكارا أو مذاهب دينيّة قد أحدثت حيرة وبلبلة في المجتمع. أمّا الأمكنة في الرواية فهي خياليّة لأنّها يمكن أن توجد كأنظمة سياسية-اجتماعيّة في أيّ عصر. تكشف الرّحلة لابن فطّومة أنّ حياة الإنسان الفرد ترتبط بشكل وثيق بالحياة السياسيّة العامّة وبالدّين كمنظومة فكريّة تبيّن عقليّة شعب ما. لذلك فإنّ أزمة ابن فطّومة تشبه أزمة فيلسوف العصر الوسيط الفارابي، لأنّها صورة مصغّرة عن أزمة مجتمع بأكمله.