قراءة في فلسفة اللغة عند الفارابي من خلال الإطار المفاهيمي لفيتغنشتاين: "اللغة كشكل من أشكال الحياة"
##plugins.themes.bootstrap3.article.main##
##plugins.themes.bootstrap3.article.sidebar##
الملخص
تُشبه اللغة كائنًا حيًّا، يولدُ، ينمو ويتطوّر ويتغيّر باستمرار. غير أنّ مسألة نشأة اللغة تواجهنا بإشكاليّة لم تُحلّ حتى يومنا هذا، وهي تمثِّل في أحد جوانبها ذلك الصراع بين وجهتَي النظر: الدينيّة والعِلميّة. والسؤال المطروح: هل اللغة هي نتيجة وَحي إلهيّ، أم أنّها شكل من أشكال "الاتّفاق" بين مجموعة من الأشخاص بهدف التواصل، بدأت عن طريق أصوات أو نداءات أو إشارات كي تتطوّر تدريجيًّا وتصير "لغة" بالمفهوم المعاصر؟
إنّ مَن يقرأ تلك المقاطع من "كتاب الحروف" للفارابي سيجد أنّه من أنصار الرؤية "الاصطلاحيّة"، أي أنّ مجموعة من الناس قد تواطأوا فيما بينهم وأنشأوا مجموعة من الإشارات كوسيلة للتواصل، وهي في تطوُّر مستمرّ.
ولكن، كيف لفيلسوف مثل الفارابي، المعروف بتوجُّهه التوفيقيّ فيما بين أفلاطون وأرسطو (لأنّه لا يحتمل وجود تناقض منطقيّ بينهما)، وفيلسوف آمن بالنبوّة، أن يعرض نظريّة في اللغة تتعارض (في ظاهرها) مع التوجُّه الديني؟
يحاول هذا المقال أن يُبيِّن بأنّ فلسفة الفارابي تكامُليّة؛ هي عِلميّة تتناسب مع التوجُّه المعاصر للّغة من ناحية، كما أنّها لا تتعارض بشكل مُطلق مع الدين من الناحية الأخرى. كما أنّ محاولته التوفيق بين أفلاطون، الذي كان يعتقد أن كلّ المعرفة هي في الأساس تذكُّر لعالم المُثل، مع النهج التجريبي لأرسطو، قادته في نهاية المطاف إلى تطوير نظريته الفريدة في المعرفة ونشوء اللغة؛ وهي وجهة نظر تتقاطع مع مفهوم الفيلسوف فيتغنشتاين للّغة باعتبارها "شكلًا من أشكال الحياة"، وبالتالي تشير إلى استحالة وجود "لغة خاصّة"، كما قدّمَها في كتابه "بُحوث فلسفيّة".
إنّ قراءة أعمال الفارابي، الفيلسوف المسلم من القرن العاشر، من خلال الإطار المفاهيمي للودفيغ فيتغنشتاين، الفيلسوف النمساوي من القرن العشرين، إنّما تسلِّط الضوء على جانب مهمّ في فلسفة الفارابي لم يلقَ البحث اللائق، كما تُبيِّن أنّ فلسفته لا تزال قادرة على إقامة حوار مع قرّاء القرن الواحد والعشرين، أي أنّها ليست فلسفة ميّتة أو مجرّد امتداد للفلسفة اليونانيّة، شريطة أن نكون مُتنبّهين لأوجُه التقارب والاختلاف بين منهجيهما.