التعدديّة الثقافيّة في أدب الرحلات: رحلة ابن جبير نموذجًا
##plugins.themes.bootstrap3.article.main##
##plugins.themes.bootstrap3.article.sidebar##
תקציר
الرحلة والانتقال ميزة خصّ الله، سبحانه وتعالى، بها الإنسان، الذي قُدّر له إعمار الأرض، والتمتع بما أوجده الله فيها من زينة متنوّعة مصداقًا لقوله تعالى:﴿ إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا﴾([1]). وقد زيّن الله للإنسان حبّ ما خلقه في هذه الأرض، لكنّه، سبحانه، وضع ضوابط للتمتّع بهذه الزّينة، وأنزل شرائع سماويّة لتوضيح ذلك، كان آخرها وختامها، والجامع لها القرآن العظيم، الذي جعل الرحلة والتّنقل في الأرض وسيلة من وسائل الهداية إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، وقديمًا مثّل العالم المسلم محمّد بن عبد الملك المعروف بابن طفيل(ت581ه) في قصّة " حيّ بن يقظان" أهمّية الرحلة في الوصول إلى معرفة الله الكاملة.
عرف العرب بطبيعة حياتهم الصّحراويّة والحضريّة نوعين من الرحلة: الرحلة الدائمة بحثًا عن الماء والعشب، والرحلة المنظمة بحثًا عن التّجّارة والتواصل مع الأمم الأخرى، وتمثّلت في رحلتي الشتاء والصيف.
بعد ظهور الإسلام فتح المسلمون بلادًا واسعة امتدّت ما بين الأندلس والصين، وقد ضمّت هذه البلاد أعراقًا، وشعوبًا، وأديانًا، ومذاهب، وطوائف دينيّة عديدة، وأكثر من أيّة دولة عرفها التاريخ البشريّ، وعاشت تلك الفئات إلى حدّ ما بوئام. وقد شجعت عوامل كثيرة المسلمين على الرحلة في بلاد الإسلام، وخارجها، وكان أن دوّن كثيرون مِمّن مارسوا الرحلة مُشاهداتهم، فظهر من ذلك أدب عُرف بأدب الرحلة. من أهمّ الرحالة الذين دوّنوا مشاهداتهم بصدق الرحالة ابن جبير الأندلسيّ، إذ أعطت رحلته صورة جديدة عن مدى التعدديّة الثقافيّة التي كانت تسود المجتمع الإسلاميّ.
في هذا البحث درست أهمّ جوانب التعدديّة الثقافيّة التي ظهرت في رحلة ابن جبير، من خلال تتبع حديثه عن البلدان التي زارها في رحلته المعروفة باسم" تذكرة بالأخبار عن اتّفاقات الأسفار". وتوصلّت إلى نتائج مهمّة حول مدى قدرة المجتمع الإسلاميّ على التعايش مع وجود تنوّع كبير في مختلف جوانب حياته.