من مظاهر عبر النوعيّة وتـجلّياتـها فـي الأدب العربـيّ القديـم: أدب الـمفاخرات البلدانيّة: البصرة والكوفة نـموذجًا

الملخص

ليس موضوع عبر النوعيّة فـي الأدب العربـيّ القديـم بـغريب عنه ولا مستقصًى منه، بل عرفه من قريب وتداوله بكثافة، إذ هو (عبر النوعيّة) بالأصالة وليدُ هذا الأدب الذي نَـمَّاهُ وفَعَّلَهُ وسيلةً وغايةً فـي آنٍ واحدٍ لِـمَا يقدّمه من تعدُّديّةٍ أدبيّةٍ فـي أسلوبٍ متجانسٍ؛ فنرى على سبيل الـمثال أنّ أدب الـمفاخرات بين البلدان والأمصار ما كان له أن يتجلّى بقوّةٍ إلّا من خلال عبر النوعيّة، إذ هو عبارة عن نسيج من ألوان وأطياف أدبيّة مستوحاة من فنونٍ وعلومٍ شتّـى؛ ففي أدب الـمفاخرات يـجرى الـحديث عن الأخلاق الدينيّة والأنـماط الاجتماعيّة التـي يتحلّى بـها أهالـي البلد الواحد، كالقيم والسلوكيّات ودور الـجماعات والعلاقات والأنساب، كما يذكر فيه مراحل تاريـخيّة، يفتخر أصحابـها بأدوار بطوليّة فيها مع مشاركات فـي أحداث ووقائع مصيريّة. ينضاف إلـى ذلك ٱستعراض العوامل الثقافيّة التـي كان لـها بالغ الأثر فـي تطوُّر البلد وتقدّمه على غيره، كالتفاخر بغزارة العلم وكثرة العلماء. ولا يغيب عن هذه الساحة التطرّق إلـى موقع البلد وطبيعته وما له من تضاريس مـميّزة، كسعة السهول وجريان الأنـهار، ثـمّ ذكر العوامل الاقتصاديّة التـي ينعم بـها البلد من كثرة الـمداخيل ووفرة الـمحاصيل. هذه الآداب على ٱختلافها وتنوُّعها تنصهر فـي قالب مفاخرة أدبـيّة رفيعة الـمستوى فـي النظم والأداء عبر النوعيّة وقت الأداء والسرد.

يأتـي هذا البحث ليقدّم مظهرًا من مظاهر عبر النوعيّة فـي الأدب العربـيّ القديـم من خلال بعض الـمفاخرات الأدبيّة بين أهل البصرة وأهل الكوفة فـي بداية الـخلافة العبّاسيّة.