تشكُّل النَّصِّ السَّرديّ في "حضرة المحترم" رواية واقعيَّة اجتماعيَّة فلسفيَّة
##plugins.themes.bootstrap3.article.main##
##plugins.themes.bootstrap3.article.sidebar##
الملخص
تهدف الدِّراسة إلى استكناه حقيقة ما تتضمَّنه رواية حضرة المحترم(1) من رسائل عميقة أو معان ودلالات متعدِّدة(2)، مثال ذٰلِكَ: معاني اجتماعيَّة قريبة، أو ظاهرة طافية على السَّطح، وأخرى فلسفيَّة مضمرة بعيدة كامنة في العمق، منها معنى المعنى في الوقت نفسه. وَذٰلِكَ، في ضوء ما يشهده الواقع العربيُّ عمومًا والمصريُّ تحديدًا لاسيَّما في العقود الأخيرة، من تحوُّلات كبيرة بمختلف مجالات الحياة تقريبًا: الاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة، والثَّقافيَّة، والاقتصاديَّة، والفكريَّة، والتِّقنيَّة، بفعل عوامل ومؤثِّرات متعدِّدة ذاتيَّة محليَّة وأخرى موضوعيَّة خارجيَّة. وقد كانت الرِّواية العربيَّة سبَّاقة- من بين سائر الأجناس الأدبيَّة والفنِّيَّة- في رصد تلك التَّحوُّلات، والتَّعبير تعبيرًا كاملًا عن طابع العصر الحديث، وَذٰلِكَ لأسباب خاصَّة نذكر منها- على سبيل المثال لا الحصر-: علاقتها الوثيقة مع المجتمع، وانفتاح النَّصِّ الرِّوائيِّ على حياة النَّاس، بمعنى ارتباطها وثيق الصِّلة وقربها من قضاياهم الاجتماعيَّة وهمومهم المعيشيَّة، هٰذا من جهة. وما تتمتَّع به الرِّواية من مساحات أدبيَّة وطاقات فنِّيَّة من جهة أخرى. ناهيك بِأَنَّ الرِّواية كلون أدبيٍّ ما زالت شديدة الغواية، وَهٰذا ما يفسِّر ازدياد الطَّلب- في الآونة الأخيرة- على قراءة الرِّواية الَّتي تعدُّ من أوسع الفنون انتشارًا. وربَّما لأسباب متعدِّدة أخرى يضيق المجال هنا عن تفصيلها. لتلك الأسباب مجتمعة أصبح بإمكان الرِّواية الولوج وعلى نحو معمَّق، أكثر من سواها في حياة المجتمع، وحياة النَّاس على حدٍّ سواء. وَذٰلِكَ، بغية الغوص في أعماق النَّفس البشريَّة وسبر أغوارها بعيدًا عن التَّسطيح والابتذال. الأمر الَّذي دفع ببعض النُّقَّاد العرب إلى أن يطلقوا على هٰذا العصر، عصر الرِّواية، مثال ذٰلِكَ "عصر الرِّواية مقال في النَّوع الأدبيّ"(3)، وجابر عصفور الَّذي بشَّر بـ "زمن الرِّواية"(4) بعدما خبا وهج الشِّعر إلى حدٍّ كبير. وكان نجيب محفوظ نفسه قد سبق إلى ذٰلِكَ الرَّأي(5).
من جهة أخرى، تطمح الدِّراسة من بين ما تطمح إليه، كَذٰلِكَ، إلى تحقيق أسمى غايات الفنِّ، وهو: إيقاظ النَّفس وإمتاعها وتطهيرها، وفي ذٰلِكَ نقرأ "لو نظرنا إلى الهدف النِّهائيّ للفنِّ من المنظور الأخير، ولو تساءلنا بوجه الخصوص عن التَّأثير الَّذي يفترض فيه أن يمارسه، والَّذي يستطيع أن يمارسه فعلًا، للاحظنا للحال أَنَّ مضمون الفنِّ يحوي كُلَّ مضمون النَّفس والرُّوح، وَأَنَّ هدفه يكمن في الكشف للنَّفس عن كُلِّ ما هو جوهريٌّ وعظيم وسام وجليل وحقيقيٌّ كامن فيها"(6)، أي من خلال تصوير الحياة الإنسانيَّة والاجتماعيَّة بالدَّرجة الأولى.