دور الدّين في مدينة الفارابي الفاضلة
##plugins.themes.bootstrap3.article.main##
##plugins.themes.bootstrap3.article.sidebar##
الملخص
يهدف هذا المقال إلى توضيح العلاقة المتبادَلة ما بين الفلسفة، الدّين والسّياسة في كتابات الفارابي السّياسيّة. الدّين كنسق إيديولوجيّ يشكّل عقليّة الأمّة، ويبيّن طبيعة العلاقات والسّلوكيّات بين أفراد المجتمع الواحد. ترتكز حياة الأفراد في أيّ مجتمع على القوانين التي يضعها لهم "رئيسُهم الأوّل"، كي يصلوا إلى "السّعادة القصوى". لا يتحقّق ذلك إلاّ في حال كان الرّئيس فاضلا ورئاسته فاضلة، ممّا يتطلّب دينًا فاضلا يتأسّس على "الفلسفة اليقينيّة". أمّا في حال الرّئاسة الضّالّة فإنّ ذلك يؤدّي إلى "مدينة جاهليّة" ترتكز على آراء غير صحيحة، أي على "مِلّة" وفلسفة "مظنونة" أو "مُمَوَّهَة"، ممّا لا يتيح سعادةً حقيقيّةً للأفراد. ما يثير الدّهشة في كتابات الفارابي السّياسيّة أنّه لا يتكلّم عن الدّين الإسلاميّ على أساس أنّه الدّين الحقّ الوحيد، بل يبدو منفتحًا على الدّيانات الأخرى، بشرط أن تعكس في تعاليمها جوهرَ الحقيقة الواحدة كما هي مُبيَّنَة عنده فيما يدعوه ب"الفلسفة اليقينيّة". إنّ تقبّلَ تعدّد الديانات يجعل فلسفة الفارابي السّياسيّة مناسبةً لعصرنا، وذلك لأنّها تقدّم حلاّ فكريّا قد يخفّف من شدّة التوتّر في العلاقات بين الأديان والطّوائف. من ناحية ثانية يبدو الفارابي إنسانا واقعيّا، فهو، وإن كان يحلم بمدينة فاضلة، يعي أنّ معظم الأنظمة السّياسيّة فاسدة. يتجلّى ذلك في نقده لأصحاب السّلطة الذين يستغلّون الدّين لمآربهم الشخصّية.
بما أنّ الدّارسين للفارابي قد تباينت آراؤهم بالنّسبة لمدى التزامه بمذهب الشّيعة، فإنّ البحث الحالي يحاول حسم هذا الاختلاف بالرّجوع إلى نصّ للفارابي قد أهمله الدّارسون حتّى الآن وهو الموسوم بـ"الدّعاء العظيم". يقدِّم "الدّعاء" دليلا على ميل الفارابي إلى نظرية الفيض الإلهيّ المُشرّبَة بروح التصوّف. موقفه هذا، بطبيعة الحال، يختلف عن الإسلام السّنّي، كما لا يمكن قبوله في الأوساط الإسلاميّة المحافظة، إلاّ أنّه لا يتضارب مع الشّيعة الإسماعيليّة.