القهوة ما بين التَّحريم والإباحة: الجدل الدِّينيُّ في أواخر العصر المملوكيِّ وبداية العصر العثمانيّ
##plugins.themes.bootstrap3.article.main##
##plugins.themes.bootstrap3.article.sidebar##
תקציר
هناك شبه إجماع عام بين المصادر المختلفة على أنّ انتشار القهوة بدأ من اليمن في جنوب الجزيرة العربيَّة نحو البلدان الإسلاميَّة الأخرى شمالًا، منذ أواخر العصر المملوكيّ وازداد مع السَّيطرة العثمانيَّة على مناطق الشَّرق الأوسط في النِّصف الأوَّل من القرن السَّادس عشر. في هٰذِهِ الفترة، اشتدَّت الخلافات والجدل الحادّ في البلدان الإسلاميَّة، وخاصَّة في مناطق الشَّرق الأوسط، حول مسألة استعمال القهوة إن كان ذٰلِكَ حلالًا أم حرامًا. وَلٰكِنْ، مع انتشار القهوة في المناطق الشَّعبيَّة بين العامّة ومع انعدام الحجج الدِّينيَّة بكون القهوة محرَّمة شرعًا، وَكَذٰلِكَ عدم مقدرة علماء الشَّريعة والحُكّام على منع استعماله، بدأ الجدل يتركّز حول المنظور الأخلاقي والسُّلوكي نتيجة استعماله.
لقد ساهمت الحركات الصُّوفيَّة بشيوخها وأتباعها في انتشار القهوة واستعمالها أكثر من أيِّ طرف آخر، بدعوى أنّ القهوة تساعد في نشاطاتهم الدِّينيَّة مثل الذّكْر والأوراد وغيرها. هٰذِهِ النَّشاطات الصُّوفيَّة مع استخدام القهوة قد أثارت جدلًا حادًّا مع علماء الشَّريعة على اختلاف مذاهبهم، الَّذين رأوا بالقهوة وسلوكيَّات الصُّوفيَّة على أنّها بدعٌ تناقض الشَّريعة. ومن المُلاحظ هنا أنّ المعارضين أو الدَّاعمين لاستعمال القهوة ليسوا من مذهب معيّن من المذاهب الإسلاميَّة السُّنّيّة الأربعة.
يمكن الاستنتاج من خلال هٰذا البحث أنّ العُلماء الدّاعين لمنع القهوة وتحريمها كانوا على العُموم من بين أصحاب المناصب الرَّسميّة والمقرّبين من السُّلطة، للاستعانة بالحُكّام في تنفيذ الفتاوى والقرارات الصَّادرة عنهم أو عن الحُكّام. فقد اعتمد العُلماء في فتاويهم بتحريم القهوة على التَّشبيهات بالمسكرات مثل الخمر، دون دلائل شرعيَّة. وَلٰكِنَّ الجدل حول القهوة قد أبرز علماء شرعيِّين ومن المقرّبين للصُّوفيّة الَّذين بدأوا بحملة مضادّة لتحريم القهوة، والعمل على إثبات حِلِّها بالدَّلائل الشَّرعيَّة، بالتَّجربة وبالتَّقارير الطِّبّيَّة. بدأت آراء المناصرين لاستعمال القهوة تأخذ مفعولها مع القرن الثَّامن عشر، ليس بين أتباع الصُّوفيَّة فقط، بل بين العامّة وَكَذٰلِكَ: بين الطَّبقات العليا في المجتمعات الإسلاميَّة. كما بدأت تظهر أدبيّات مرافقة لانتشار القهوة وبيوتها (المقاهي) في المدن الإسلاميَّة، مثل الاجتماع على شربها وإدخال الآلات الموسيقيَّة، كما هو الحال أيضًا في التَّأليف الأدبي والثَّقافي، مثل توثيق الفتاوى والرَّسائل الفقهيَّة المتعلّقة بالقهوة ونظم الشّعْر والقصص الشَّعبيَّة. هٰكَذا ومع القرن الثَّامن عشر، ظهر شبه إجماع بين العلماء على حِلّ القهوة،([1]) وشاع استعمالها كظاهرة شعبيَّة واسعة في البيوت كما هو الحال في بيوت القهوة والأماكن العامّة والخاصّة.