الشخصيات الغيريّة عند غالب هلسا: رواية السؤال نموذجا

الملخص

نخلص إلى القول إنّ رواية السؤال لغالب هلسا صوّرت الشخصيات الغيريّة في مستويات مختلفة تصويرا عميقا وشاملا. وبيّنا أنّ المستويات الثلاثة من مستويات غيريّة الشخصية (الاجتماعي، السياسي والجنسي) شهدت حالة من التشابك والتقاطع فيما بينها، فقد أكّدنا في كلّ مستوى حضور المستويين الآخرين كمسببين أساسيين للتصرفات الغيرية. لم يخلُ مستوى من هذه المستويات الثلاثة من التأكيد على المعادلة الهامّة التي تقول: إنّ الواقع الغيريّ والمشوّه لا بدّ وأن يقود بالضرورة إلى علاقات اجتماعية وسياسية غيريّة ومشوّهة وهذه العلاقات قادت بدورها إلى تصرفات جنسية غيريّة رسّخت الغيريّة القائمة في الواقع. وهكذا تغدو الشخصيات الغيرية وليدة هذا الواقع الغيريّ والمشوّه. لم يكن اختيارنا لمستويات الغيريّة المذكورة أعلاه اعتباطيا بأي حال من الأحوال، إنّما الواقع (المصري بعد ثورة 23 يوليو) هو الذي فرض مثل هذا الاختيار لأنّها كانت المستويات الأكثر قدرة على رصد الواقع بتحوّلاته المشوّه والغيريّة.

  اهتمّت هذه الدراسة كذلك برصد الشخصية الغيريّة الأنثوية بصفة خاصة وهو الأمر الذي يستحق البحث والدراسة. نجح غالب هلسا في رصده للشخصية الغيريّة الأنثوية في تغيير الصورة التقليدية للشخصية الغيريّة، تلك الصورة التي تطغى عليها حالات التردي والقهر. ظهرت الشخصية الغيريّة الأنثوية عند هلسا قادرة على التأثير أو محاولة التأثير على أقلّ تقدير، فنقاط التحوّل الحقيقية التي شهدتها الشخصيات في النصّ ومصطفى على وجه التحديد كانت تقف وراءها امرأة. سعاد وتفيدة استطاعتا رغم غيريّتهما في إفراز نقاط تحوّل جديّة في حياة مصطفى. أعادت سعاد له إحساسه بالرجولة، المفقود بتأثير الواقع، وهو الأمر الذي مهّد الطريق أمام تفيدة لتعيد لحياته معنى في مستوياتها المختلفة وخاصة الاجتماعية والسياسية والجنسية. لا شكّ بأنّ صورة الشخصية الغيريّة القادرة مسألة تتوافق كليا مع أيدولوجيّة الكاتب غالب هلسا، الذي كان يؤمن أنّ عملية تحرّر المجتمع يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع تحرّر المرأة في المجتمع، اهتمّ هلسا برصد الشخصيات الغيريّة الأنثوية الخارجة من أعماق الأحياء الشعبية البسيطة كإشارة إلى شكل التغيير الذي ينبغي أن يكون  في الواقع. تنعكس قوّة هذه الرواية في قدرتها على رصد الواقع المشوّه بأدق تفاصيله من ناحية، وقراءتها للواقع قراءة متأنية ثاقبة وموضوعية.